بدأت القصة عندما ساق القدر ثلاثة شبان للعب "ورق الشدة" بالقرب من منزل النائب وليد جنبلاط في كليمنصو. أثار مشهد الشبان القوى الأمنية، فساقوهم للتحقيق معهم في أحد المخافر. لم يمض وقت طويل عندما تبين أن لا خلفيات سياسية، أو نوايا أمنية للموقوفين.
انتفاء التهمة لم يكن كافياً للإفراج عن الشباب. لاحظ أحد الرتباء الأمنيين أن شكل أحدهم "ناعم"، فتم نقلهم إلى مخفر حبيش للتدقيق في احتمال تورطهم بمخالفات أخرى، ومنها المخدرات، أو المثلية الجنسية. لم يجد مكتب مكافحة المخدرات أي شبهة حول اقتناء أو تعاطي الموقوفين لمخدر، فأحيلوا إلى مكتب الآداب في المخفر نفسه للتدقيق في "نعومة" الشاب.
إثر مخابرة عناصر المكتب للنيابة العامة، ومن دون وجود أي دليل غير شكل احد الموقوفين "الناعم"، أمرت النيابة العامة بإخضاع الشباب لفحص المثلية لإثبات ميولهم الجنسية، وتحديداً احتمال ممارستهم العلاقات المثلية.
يروي المحامي نزار صاغية حادثة الشبان الثلاثة الذين تجرأوا مع المحامي الذي تولى قضيتهم على رواية ما حصل معهم، ليقول إن فريق عمل "المفكرة القانونية" قرر تخصيص ورشته عن "فحوص العار"، وهي فحوص المثلية التي يخضع لها الموقوفون من الشباب، وفحوص العذرية التي تخضع لها الموقوفات من الإناث، في المخافر، وبالتحديد في مكتب حماية الآداب في مخفر حبيش.
نتحدث هنا عن فحص حسي يقوم به احد الأطباء الشرعيين، وبإشارة من النيابة العامة في بيروت، على الأجزاء الحميمة من أجساد الشبان والشابات، من دون أي نص قانوني يبرر ذلك، اللهم إلا صلاحية القاضي في اعتماد الوسائل "المشروعة" خلال توخيه قرينة الإثبات. وكان فريق المفكرة القانونية واضحاً في تخصيص الحديث عن الفحوصات التي تجري في "العلاقات الرضائية" سواء بين شباب من النوع الجندري (الجنس) نفسه، أو بين شاب وفتاة، وليس في حال وقوع حالات اعتداء أو اغتصاب، يصبح معها الفحص ضرورياً لإدانة المعتدي.
ويعود صاغية إلى حادثة الشبان ليقول إن الطبيب الشرعي لم يكتف بإجراء الفحص الذي يتلخص بإدخال آلة في شرج الشاب الموقوف منتهكاً خصوصيته وحميمية جسده، بل إنه استعمل موقعه وصفته الطبية لانتزاع اعتراف من الشاب الموقوف. يومها قال الطبيب لأحد الشبان "أحسن لك تعترف لي، لأنك إذا كذبت وأثبت الفحص العكس، فإن عقوبتك ستكون أشد". وبذلك رأى صاغية أننا أمام رتيب تحقيق يبني شكوكه على "نعومة" احد الشباب، وأمام نيابة عامة تأمر بإخضاع الشبان لفحص المثلية من دون أي دليل، وأمام طبيب شرعي لا يكتفي بتنفيذ أوامر النيابة العامة من دون الاكتراث بموافقة الموقوفين، وإنما يلعب دور المحقق بلباس طبيب ويستغل وظيفته لانتزاع اعتراف بممارسة المثلية، ما دام يعجز، وعبر الفحص الطبي عن إثباتها.
وعليه، يحمل المسؤولية للدولة ممثلة بالقوى الأمنية والقضاة وللجسم الطبي الذي لا يتخذ موقفاً واضحاً ورافضاً لما يحصل.
ويأتي إجراء الفحص المعتمد في لبنان بينما تثبت نظريات الطب الشرعي في العالم عدم جدوى الفحص، في حال عدم العثور على السائل المنوي، في إثبات ممارسة المثلية ام لا، وهو ما أكده الطبيبان الشرعيان سامي قواس وحسين شحرور خلال ندوة الأمس، مشيرين إلى أن الكثير من دول العالم المتقدمة توقفت عن إجرائه.
وترافق الفحص شوائب لا تقل سوءاً عنه. وهنا يروي ممثل جمعية "حلم" شربل ميدع قصة شاب رفض الخضوع للفحص لأنه يعلم، بعكس بقية الشبان، انه يحق له الرفض، فقام رجلا أمن بتثبيته على طاولتين متلاصقتين، فيما أخضعه الطبيب الشرعي لفحص المثلية، بالقوة. وهنا سأل أحد الحضور عما إذا كان ما حصل مع الشاب يختلف عن الاغتصاب أم لا.
يقول عدد من الأطباء الشرعيين أن بعضهم يجري أربعة إلى خمسة فحوصات مثلية في الشهر الواحد، فيما يفضل الشبان الذين يخضعون للفحص عدم التحدث عن الأمر مطلقاً، على قسوته.
ويأتي صمت الشبان الضحايا من شعورهم بالمهانة، ويشير ميدع إلى أن ثلاثة شبان خضعوا للفحص خلال أعوام 2006 و2007 و2008، "كانوا يبكون لدى رواية تجربتهم في العام 2012، متحدثين عن وجع مميت، وقد حاول بعضهم تشويه جسده بعد ما تعرض له".
ترى المحامية غيدا فرنجية التي أدارت الندوة أن "فحوصات العار تمس بشكل واضح حرية الأفراد وحياتهم الخاصة، وتعرض كرامتهم الجسدية للإهانة"، مشيرة إلى أن "الباحثين الطبيين يرون أنها وسائل من التاريخ".
وكتأكيد على عدم توفير الفحص الطبي دليلاً قاطعاً، حتى إذا سلمنا بحق القوى الأمنية في التدخل بحياة الفرد عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الرضائية بين شخصين، يرى الطبيب الشرعي سامي قواس ان "هناك اسبابا اخرى غير ممارسة المثلية الجنسية تتسبب بتوسع شرج أي شخص، ومنها عملية توسيع الشرج او البواسير مثلاً". ويؤكد انه لا يجري فحص المثلية لأي موقوف في حال عدم موافقته، مشيراً إلى انه ينفرد به في المخفر (يتعذر إخراج الموقوفين إلى العيادة)، ويعمل على طمأنته، وضرورة تعاونه لكي "لا يكون الأمر موجعاً أو مهيناً".
وفي إطار تأكيد عدم جدوى فحص المثلية عينه، يستشهد الطبيب الشرعي حسين شحرور بـ"كبير الأطباء الشرعيين في مصر، الذي يؤكد أن العلاقة الرضائية لا تترك أثرا، وأن أكثر الناس بعداً عن هذه العلاقات قد تظهر عليه علامة أو أكثر من علامات الإثبات المعتمدة من دون أن يكون قد مارس المثلية". ويؤكد شحرور أن الطبيب يمكنه أن يشير إلى وجود علامات، ولكن لا يمكن إثبات حصول العلاقة المثلية إلا عبر العثور على السائل المنوي".
وتوقف نائب مدير منطقة الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش" نديم حوري عند الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تنص على ضرورة احترام حرية الفرد وخصوصيته وحياته الشخصية، وبالتالي عدم إخضاعه لفحص المثلية. وأشار إلى استحالة أن يعطي الموقوف قبولاً حقيقياً بالخضوع للفحص، وإلى ضرورة احترام خصوصية الفرد وكرامته التي تشدد عليها ألأمم المتحدة. وذكر حوري بالآداب الطبية وبضرورة عدم إخضاع أي شخص للفحص أو التفتيش إلا للتأكد من عدم إخفائه آلات قد تؤذيه أو تؤذي غيره.
وعلى خلفية استمرار هذه الفحوص المهينة بعيدا عن الأضواء، أشار صاغية إلى أن المفكرة بصدد توجيه كتاب إلى وزارة العدل وآخر إلى نقابة الأطباء تدعوهما فيه إلى وقف هذه الممارسات، خصوصاً ان لا نص قانونيا يفرضها.
وفي ظل استغراق النقاش في بحث فحوصات المثلية، أشار صاغية إلى تنظيم لقاء ثان قريباً يخصص لفحوصات العذرية الخاصة بالسيدات.
[عن جريدة "السفير" اللبنانية.]